بلوق

العقار السوري .. هل حان وقت الشراء أم أن الانتظار خيار أفضل؟

العقار السوري .. هل حان وقت الشراء أم أن الانتظار خيار أفضل؟

من يتابع أسعار الشقق والأراضي في المدن السورية الرئيسية مثل دمشق وحلب، يصاب بحالة من الحيرة والتردد؛ فمن ناحية، تبدو الأسعار في قمم تاريخية وغير مبررة اقتصادياً إذا قورنت بالقوة الشرائية للمواطن العادي. 

ومن ناحية أخرى، يتكرس التساؤل الملح: هل هذه الأسعار هي “الواقع الجديد” الذي يجب التعامل معه، أم أنها فقاعة عما قريب ستنفجر، مما يجعل الانتظار خياراً أكثر حكمة؟

الإجابة على هذا السؤال ليست بسيطة، فهي تعتمد على عوامل متشابكة اقتصادية وأمنية وقانونية. دعونا نحلل الجانبين في هذه المعادلة الصعبة.

لماذا قد يكون التردد خسارة؟!

1. استقرار الأسعار في القمة: بعد سنوات من الارتفاع الجنوني، بدأت الأسعار في بعض المناطق تستقر عند مستويات عالية جداً، لكنها لم تشهد انهياراً. 

هذا يعني أن السوق قد يكون قد اعتاد على هذا “المستوى السعري الجديد” حتى لو كان منفصلاً عن الواقع الاقتصادي. 

الانتظار لانهيار قد لا يأتي إذا كان الدعم المالي (من الداخل أو الخارج) مستمراً.

2. نقص المعروض مقابل طلب حقيقي: المدن السورية الرئيسية تعاني من نقص حاد في الوحدات السكنية الصالحة للسكن بسبب الدمار والتهجير. 

هناك طلب فعلي من قبل العائلات التي تحتاج إلى سكن، مما يدعم الأرضية السعرية إلى حد ما ويمنع انهيارها الكلي.

3. العقار ملاذ آمن في ظل انهيار الليرة: في اقتصاد يعاني من تضخم هائل وانهيار في قيمة العملة المحلية، يلجأ الناس إلى العقار كوسيلة لحفظ مدخراتهم من الضياع. 

طالما استمرت الأزمة الاقتصادية، سيستمر هذا الدافع للشراء.

4. مخاطر زيادة الأسعار أكثر: في حال حصول أي تطور إيجابي على الصعيد السياسي أو الاقتصادي (رفع كامل للعقوبات، بدء مشاريع إعادة إعمار) وهي تحدث فعلاً، قد تشهد الأسعار قفزة جديدة يصعب بعدها الدخول إلى السوق.

 

لماذا قد يكون الانتظار حكمة؟!

1. الانفصال التام عن الواقع الاقتصادي: الأسعار الحالية لا تعكس بأي شكل من الأشكال الوضع الاقتصادي للسواد الأعظم من السوريين. 

هذا التناقض الصارخ هو أقوى مؤشر على وجود فقاعة مضاربة كبيرة، والفقاعات ينتهي أمرها بالانفجار حتماً.

2. عدم الاستقرار القانوني والأمني: لا تزال البيئة الاستثمارية محفوفة بالمخاطر. 

التغيرات القانونية المفاجئة، وعدم وضوح حقوق الملكية في بعض المناطق، والوضع الأمني العام، كلها عوامل تجعل الاستثمار العقاري مغامرة عالية المخاطر.

3. سيولة محبوسة ومضاربة غير صحية: جزء كبير من السوق يعتمد على مضاربات من قبل فئة محدودة تملك رؤوس أموال. 

هذا النوع من السوق هش، وأي حاجة ماسة لسيولة من قبل هؤلاء المضاربين قد تؤدي إلى تصحيح عنيف وسريع للأسعار.

4. بدائل استثمارية أخرى: بدلاً من تجميد رأس المال في عقار قد ينخفض سعره، يمكن البحث عن بدائل استثمارية أخرى أكثر سيولة وأقل مخاطرة، مثل استيراد السلع أو الاستثمار في قطاعات إنتاجية يحتاجها السوق، رغم صعوبة ذلك أيضاً.

 

الخلاصة والتوصية

لا توجد إجابة واحدة تناسب الجميع، فالقرار يعتمد بشكل أساسي على الغاية من الشراء والقدرة المالية للمشتري:

إذا كان الهدف سكنياً بحتاً (للعائلة أو للزواج) ولديك السيولة الكافية التي لا تشكل ضغطاً على مدخراتك، وتريد تحقيق الاستقرار، فالشراء الآن قد يكون مقبولاً. 

في هذه الحالة، أنت تشتري “السكن” وليس مجرد “استثمار”، وتتقبل فكرة أن السعر قد ينخفض مؤقتاً في المستقبل دون أن يؤثر على قرارك الأساسي.

إذا كان الهدف استثمارياً أو مضاربة، أو إذا كانت عملية الشراء ستستنزف كل مدخراتك وتضعك تحت ضغط مالي كبير، فالانتظار هو الخيار الأكثر حكمة بلا شك. 

المخاطر حالياً تفوق فرص تحقيق أرباح سريعة وآمنة.

باختصار، يشبه قرار الشراء اليوم رهاناً على مستقبل غير واضح المعالم، للمضطر والمستقر مادياً، قد تكون المغامرة ضرورية. 

أما للمستثمر والمتردد، فإن الصبر وانتظار وضوح الصورة الاقتصادية والقانونية هو السلوك الأكثر عقلانية في ظل هذه الغيمة من عدم اليقين التي تلف سوق العقار السوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مشابهة

قارن

أدخل الكلمة الرئيسية الخاصة بك